التسامح

السهل والجبل أقوى من كل الفتن

ان العلاقة بين سهل وجبل حوران قديمة قدم التاريخ وما يجمع المحافظتين أكبر مما يفرقهما، وتلعب الجغرافيا التي تجمع كلاً من حوران السهل والجبل دوراً كبيراً في مواجهة الفتن والدسائس، التي حاولت بث الفرقة والشقاق والإطاحة بوحدة أهالي المحافظتين، فقد تقاسمت كلاً من درعا والسويداء تاريخ حوران مناصفة الأرض والانهار والقمح والغزاة واللغة على الرغم من اختلاف اللهجة، فالاغاني والاهازيج والعادات والتقاليد التراثية المشتركة والمتداخلة والتي تصل الى حد التطابق في كثير من الأحيان تجمع السهل والجبل.

 وتجمع الأهالي في المنطقتين علاقات اجتماعية واقتصادية متينة فقد كانت السويداء تستقطب اغلب المحاصيل الزراعية من درعا حيث كان يتم تسويق 90% من خضروات درعا في السويداء، وطالما كان العنب الجبلي هو العنب المحبب الى قلب اهل درعا.

اقرأ أيضاً: خطاب الكراهية، لا صوت يعلو على الحقيقة

إقرأ أيضًا: اجتماع أخوة السهل والجبل بداية لحل الخلافات

  وترتبط المحافظتين بروابط طبيعية مائية لا يمكن الفصل بينها فالهطولات الثلجية الغزيرة التي تهطل على معظم أجزاء الجبل تشكل مسيراً غزيراً للوديان من السفح الغربي للجبل باتجاه السهل الأقل ارتفاعا، وتتشارك المحافظتين في العديد من الاودية مثل وادي اللوا الذي يروي منطقة اللجاة، ووادي الزيدي الذي يجمع عددا كبيرا من أودية السفح الغربي للجبل وينقلها لسهول حوران.

 من هو صاحب المنسف أهالي السهل ام أهالي الجبل (ويعد المنسف احد اكثر الوجبات الشعبية المشهورة في حوران) وما هو الفرق بين المليحي والمليحية .

  ان الكثير من القصائد المحكية في المحافظتين لا يمكن معرفة أصلها الا إذا عرف قائلها فأغنية (ل اكتب ورق وارسلك واغنية حطي على النار يا جدة) هي من أغاني التراث الشعبي المشترك لحوران الكبرى بسهلها وجبلها.

ومن حوران السهل والجبل انطلقت الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي، ومن بطولات أهالي السهل التي لا تنسى عندما وقف أهالي قرية المسيفرة الحورانية التي اعتبرها الفرنسيون خاضعة لهم الى جانب إخوانهم من ثوار الجبل رغم معرفتهم ثمن هذا الخيار، فمنطقة حوران كانت وما زالت رمزا  للتراث والأصالة وأهلها اهل الطيب والكرم  والبطولات والمواقف المشرفة.  

تاريخ حوران بسهلها وجبلها دائماً ما كان حاضراً بقوة وهذا ما جعل منها نموذجاً رائعاً للانتماء الوطني، فالتقارب الشديد والتداخل الجغرافي والثقافي والاجتماعي في منطقة حوران كان عاملا مهما في تقليص أي تهديد قد يطال السلم الأهلي بينهم، وان كل الفتن والشدائد والاعتداءات التي جرت بين أبناء المحافظتين زادت من وحدتهم وعززت روابط انتمائهم للوطن والحرية.

وربما ساهمت تلك الازمات بتمتين أواصر الود فيما بينهم، وذلك بفضل وعي أهلها وقدرتهم على احتواء المواقف، فكانوا وما زالوا الدرع الحامي لعمق هذه العلاقة.

  لقد اتسمت العلاقة بين أهالي حوران سهلا وجبلا باستقرار العلاقات وهيمنة السلم الأهلي على المنطقة، اذ لا يزال حسن الجوار هو الغالب على العلاقة فيما بينهم مستنداً بذلك الى جملة من الاخلاقيات والأعراف التي نجحت في ضبط التدخلات الكثيرة الهادفة الى تأجيج هذه العلاقة واثارة الفتنة.

وقد اثبت أهالي المحافظتين على مر الزمان أنهم أكبر وأوعى من كل الفتن، والروابط المتداخلة بين المحافظتين هي الرهان الرابح، فما تتمتع به المنطقة من تآخي ومصير واحد وعلاقات مشتركة يستحيل على الزمن ان يفسدها.

زر الذهاب إلى الأعلى