اللجوء السوري

نصف اللاجئين يدفعون ضرائبهم وأكثر من عشرة آلاف التحقوا بالجامعات، ماذا حقق اللاجئون بعد خمسة أعوام في ألمانيا؟

مرت 5 سنوات على وصول محمد حلاك إلى ألمانيا من دون مرافقة شخص بالغ، وقد أصبح الآن في السنة الثالثة من كلية علوم الحاسب بجامعة في مقاطعة وستفاليا، ويطمح أن يصبح رائد أعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات. ويقول: «كانت ألمانيا هدفي دوماً. لطالما شعرت بأنني أنتمي إلى هنا».

لكن حلاك، الطالب الاجتماعي الطموح، لا يمثل 1.7 مليون شخص تقدموا بطلب اللجوء إلى ألمانيا بين عام 2015 و2019، مما جعلها في المرتبة الخامسة بين دول العالم من حيث أعداد اللاجئين الذين تستضيفهم، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

هل صدقت توقعات ميركل؟

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل

ومع ذلك، لا يعتبر حلاك نموذجاً غير عادي بين اللاجئين. إذ أتقن أكثر من 10 آلاف لاجئ وصلوا إلى ألمانيا منذ 2015 اللغة بما يكفي للالتحاق بجامعة ألمانية. ويعمل أكثر من نصف اللاجئين الذين وصلوا إلى ألمانيا ويدفعون الضرائب. ومن بين الأطفال والمراهقين اللاجئين، يقول ما يزيد على 80% إنهم لديهم شعوراً قوي بالانتماء لمدارسهم الألمانية، وبأنهم مثل أقرانهم.

وتعيد قصص النجاح المماثلة لقصة حلاك بعض التفاؤل الذي أعربت عنه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منذ 5 سنوات، في ذروة بعض أكثر الفترات اضطراباً التي يشهدها التاريخ الأوروبي الحديث. وهو التفاؤل الذي كاد يُفقِدها وظيفتها، والذي تخلت هي نفسها عن بعضٍ منه.

وقالت المستشارة الألمانية، في مؤتمر صحفي في وسط برلين في 31 أغسطس/آب: «سأقولها ببساطة: ألمانيا دولة قوية»، في محاولة منها لمواجهة المخاوف بشأن الزيادة الحادة في أعداد الأشخاص الذين تقدموا بطلبات لجوء لألمانيا في ذلك الصيف، وتحديداً من سوريا والعراق وأفغانستان.

وأصبحت العبارة الألمانية التي استخدمتها أنجيلا ميركل «نستطيع فعل ذلك» لا تُنسَى، وبالأخص لأنه في الأسابيع والأشهر التي تلت ذلك، أخذ يرددها كل من أعتقد أنَّ رسالة المستشارة الألمانية المتفائلة شجعت ملايين المهاجرين الآخرين على الانطلاق في رحلة خطيرة لعبور البحر المتوسط. وكتبت صحيفة The Spectator البريطانية: «سيكون من الصعب تصحيح تصرفات ميركل الآن: لا يمكن إلغاء ما قالته. لقد فاقمت مشكلة ستظل معنا لسنوات، وربما عقود».

الشعبوية تنمو، وشعبية ميركل تزيد

ووجد حزب «البديل من أجل ألمانيا»، الذي قام على أسس معادية للاتحاد الأوروبي، موطئ قدم أكثر شعبوية: فعندما قالت ميركل «نستطيع فعل ذلك»، زعم الحزب اليميني أنَّ ما كانت تعنيه حقاً هو «أنتم ستفعلون ذلك»، وأنها تطالب الشعب الألماني التكيف مع معدلات الجريمة والإرهاب والاضطراب العام المرتفعة.

وعلَّق نايجل فاراج، زعيم حزب استقلال بريطانيا، لشبكة Fox News: «هذا أسوأ قرار يتخذه زعيم أوروبي في العصر الحديث. لقد انتهى أمرها».

ومع ذلك، لا تزال أنجيلا ميركل إلى اليوم تتربع على عرش أكبر اقتصاد في أوروبا، وعادت معدلات شعبيتها إلى ما كانت عليه في بداية عام 2015 وارتفعت نسبة تأييد حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، في استطلاعات الرأي إلى مستويات قياسية بفضل تعامله مع الجائحة العالمية. وحين تتنحى ميركل قبل الانتخابات الفيدرالية في عام 2021، كما هو متوقع، يُرجَّح أنَّ خليفة حزبها سيكون وسطياً يشبهها أكثر من كونه متشدداً يتعهد بسياسات تعامل مع الهجرة مختلفة تماماً عنها.

مظاهرة لحزب البديل من أجل ألمانيا ضد اللاجئين وسياسات ميركل

إضافة إلى ذلك، تلاشى شبح الإرهاب، الذي خشي البعض أن يصل إلى قلب أوروبا الوسطى بسبب أزمة اللاجئين، عن الأنظار في السنوات الأخيرة. وبعد سلسلة من سبع هجمات بدافع إرهابي في ألمانيا في عام 2016، التي بلغت ذروتها باقتحام شاحنة سوق عيد الميلاد في برلين في ديسمبر/كانون الأول، لم تشهد ألمانيا أية هجمات أخرى على مدار السنوات الثلاث الماضية.

ويتذكر بيتر نيومان، خبير الإرهاب في قسم دراسات الحرب في جامعة كينجز كوليدج لندن، أنه دُعي إلى برنامج تلفزيوني ألماني في ذروة الأزمة في عام 2015. ويقول: «بذلت قصارى جهدي لأبث الأمل في ذلك الوقت، لكن في أعماقي كنت قلقاً: هل سينجح هذا؟ ومع ما يقرب من مليون شخص لا نعرف عنهم سوى القليل؟ وفي النهاية، تبين أنَّ تلك المخاوف كانت في غير محلها».

وأوضح نيومان: «نحن نعلم أنَّ بعض الرجال المتورطين في هجمات باريس 2015 استغلوا الفوضى للتسلل إلى أوروبا، مدعين في بعض الحالات أنهم لاجئون سوريون. وعلمنا أيضاً أنَّ الغالبية العظمى من الأشخاص الذين وصلوا كانوا من الشباب، وهذه الفئة السكانية هي الأكثر عرضة للتطرف. ومع ذلك، يمكننا أن نقول الآن أنَّ أسوأ المخاوف لم تتحقق».

وأضاف: «فبالنظر إلى مجريات الأحداث، انهار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أسرع مما توقعنا. ويتضح الآن أن ما جعل هذا التنظيم جذاباً لفترة من الوقت هو نجاحه أكثر منه أيديولوجيته. وعندما توقف داعش عن تحقيق نجاحات، فقد جاذبيته».

الإرهاب غاب.. لماذا؟

بيد أنَّ هذا يرجع أيضاً، بحسب نيومان، إلى الكفاءة المتزايدة لوكالات المخابرات الألمانية. فوفقاً للبيانات التي جمعها بيتر نيسر، الباحث البارز في مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية، أُحبِطَت 16 مؤامرة إرهابية على الأراضي الألمانية منذ بداية عام 2015، أي أكثر مما حدث في فرنسا أو المملكة المتحدة خلال نفس الفترة.

بدوره، يقول جيرالد ناوس، رئيس مبادرة الاستقرار الأوروبية، وهي مؤسسة فكرية تقدم المشورة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن سياسة الهجرة، إنَّ «الفرضية القائلة إنَّ ميركل هي التي خلقت أزمة اللاجئين في عام 2015 كانت عبثية، بل ويتضح عبثها أكثر بالنظر إلى الماضي».

إذ فشلت الدراسات التجريبية في العثور على بيانات تثبت أنَّ عبارة ميركل «نستطيع فعل ذلك» هي السبب في زيادة تدفق اللاجئين إلى أوروبا، على الرغم من أنه يُرجَّح أنَّ الاهتمام الذي جذبه موقف ألمانيا الليبرالي بشأن اللجوء قد أثر على قرارات أولئك الذين كانوا بالفعل في أوروبا في ذلك الوقت.

ويستطرد ناوس: «السؤال هنا هو: ما الذي كان يمكن أن تفعله (ميركل) بشكل مختلف؟ هل هو إعادة فرض الحدود القومية ومحاولة تكرار ما فعلته فرنسا بعد هجمات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حين أعادت جميع المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا؟ لا، فقد ثبت عدم جدوى تلك الجهود: إذ تلقت فرنسا ضعف عدد طلبات اللجوء في عام 2019 مقارنة بعام 2015. لا يمكنك إغلاق حدود مفتوحة على مصراعيها بخطاب وعدد قليل من حرس الحدود، ولحسن الحظ استُبعِد اللجوء للوحشية في ألمانيا».

وثبُت بالفعل أنَّ موقف ألمانيا في عام 2015 كان متفائلاً للغاية، فقد بدت حكومة ميركل وكأنها تعتقد أنَّ الأحداث المضطربة في ذلك الصيف ستؤدي إلى إصلاح سريع لاتفاقية دبلن للاجئين، وهي الآلية التي تحدد الدولة المسؤولة عن فحص طلب اللجوء. ويقول ناوس: «اعتقد الألمان أنَّ الجميع سيشتركون في نظام حصص استقبال اللاجئين لأنه كان عادلاً، لكنهم لم يتمكنوا من شرح كيفية تطبيق ذلك عملياً».

قف.. ممنوع اللجوء!

لذا، في المقابل، اتخذت حكومة ميركل خطوات أحادية الجانب لإبطاء معدل القادمين الجدد إلى أقل عدد ممكن. وساهم اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير النظامية واستبدالها بخطة إعادة التوطين، التي طورها مركز أبحاث ناوس، في إيقاف تدفق المهاجرين إلى أوروبا في عام 2016 لدرجة كبيرة. وحاولت حكومة ميركل لاحقاً تقييد طلبات اللجوء من شمال إفريقيا بإضافة الجزائر والمغرب وتونس إلى قائمة الدول التي تعتبر آمنة، على الرغم من رفض المجلس الأعلى في البرلمان الألماني هذا المقترح لاحقاً.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمستشارة الألمانية ميركل

ولم تتراجع المستشارة الألمانية قط عن كلماتها في أغسطس/آب 2015، مثلما أصر الكثيرون، وحتى أعضاء من حزبها، على ضرورة فعل ذلك. لكنها أكدت أنَّ موقفاً مثل الذي تلا تصريحاتها لن يتكرر على الأراضي الألمانية خلال فترة ولايتها.

وأعربت كاتارينا نيوفيدزيال، مسؤولة اندماج اللاجئين، عن تفاؤلها، وقالت: «يمكن أن تكون ألمانيا دولة بطيئة للغاية ومليئة بالبيروقراطية المُرهِقة. لكنها أيضاً قادرة على التعلم من أخطائها واستخلاص العواقب منها».

وأضافت كاتارينا أنه منذ عام 2015، وسَّعت الدولة سلطة اللجوء الخاصة بها اتساعاً كبيراً، وأنشأت آلاف الوظائف لتنسيق المتطوعين، وحوَّلت الملاجئ إلى منازل دائمة، ودرَّبت معلمين متخصصين. لقد استطاعت ألمانيا فعل ذلك حقاً. وقالت: «إنها قصة نجاح، حتى لو لم يكن لدى أحد الثقة الكافية لقول ذلك بعد».

المصدر: موقع عربي بوست

الرابط المختصر: https://toleranceforsyria.org/?p=1565

زر الذهاب إلى الأعلى