التسامححقوق الانسان

خطاب الكراهية، لا صوت يعلو على الحقيقة

يعرف خطاب الكراهية بأنه أي تعبير عن الكراهية التمييزية تجاه الأشخاص على أساس جانب معيّن من هويتهم.

“الكراهية التمييزية”: شعور قوي وغير عقلاني بالعداوة تجاه شخص أو مجموعة من الناس بسبب هويتهم، على أساس ميزة خاصة معترف بها في القانون الدولي لحقوق الإنسان.

يتناول هذا المقال حالة خاصة من الحالات السورية التي انتشر فيها خطاب الكراهية بعد قيام أحداث الثورة السورية مطلع عام 2011 م، ألا وهو خطاب الكراهية الذي انتشر بين المحافظتين الجارتين في الجنوب السوري وهما محافظتا ” درعا والسويداء ” حيث يتطرق هذا المقال لتحليل خطاب الكراهية بين محافظتي درعا والسويداء من النواحي ” السياسية والاجتماعية والاقتصادية “.

سياسيا

فمن الناحية السياسية بدأت بوادر خطاب الكراهية بين المحافظتين الجارتين تطفو على السطح مع بداية الاحتجاجات في درعا مطلع عام 2011 م. ومع مرور الوقت ازدادت الفجوة السياسية بين المحافظتين الجارتين (درعا والسويداء) ولعل أهم العوامل التي ساعدت على ازدياد الفجوة السياسية مؤخراً بين المحافظتين:

• الموقف السياسي المختلف تجاه الثورة السورية التي انطلقت شرارتها منتصف آذار عام 2011 م،

فكلا المحافظتين تقعان (بالمجمل)على ضفتين مختلفتين من الثورة السورية وهذا ما تسبب في ازدياد الفجوة السياسية بين المحافظتين وبالتالي ساهم في تعزيز خطاب الكراهية بين المحافظتين.

• الإعلام السياسي التابع للحكومة السورية الذي عمل تعميق الهوة بين الجارتين (درعا والسويداء) وذلك بهدف شق الصف وكسب محافظة السويداء إلى جانب الحكومة السورية أو على الأقل تحييدها في مسألة النزاع مع المعارضة السورية التي تعتبر محافظة درعا منبعاً لها.

• الولاءات المختلفة لكلا المحافظتين بعد سيطرة القوات الحكومية على محافظة درعا منتصف عام2018 م، ففي حين استمالت روسيا العديد من المناطق في محافظة درعا وضمت لها العديد من الفصائل العسكرية التي كانت تتبع للمعارضة السورية قبل عام 2018، فشلت في استمالة نظيرتها السويداء والفصائل العسكرية المشكلة فيها بحجة الدفاع عن أرض المحافظة من أي عدوان.

ونتيجة للولاءات المختلفة لأبناء المحافظتين تعمقت الخلافات وارتفع مستوى خطاب الكراهية بين المحافظتين خلال الفترة الماضية.

• تعدد اللاعبين الدوليين على أرض الجنوب السوري مثل (روسيا – إيران – حزب الله) . فجميع هذه الفرق تسعى لفرض سيطرتها على أرض الجنوب السوري وتحقيق مصالحها من خلال تجنيد بعض الفصائل للعمل لخدمة مصالحها في المنطقة الجنوبية.

فكل فريق من الفرق السابقة وجد ضالته ببعض الأحزاب والفصائل في الجنوب السوري وهذا ما ساعد على إذكاء خطاب الكراهية بين أبناء محافظتي درعا والسويداء.

اجتماعيا

ومع بدء الثورة السورية عام 2011م حرصت بعض الأطراف على دفع محافظتي درعا والسويداء إلى حافة التوتر والصدام، ومع مرور الوقت وخلال الثورة السورية بدأت العلاقات الاجتماعية بالتدهور شيئاً فشيئاً بين المحافظتين وبدأ خطاب الكراهية يطفو على السطح بين أبناء المحافظتين.

ولعل من أهم العوامل التي عززت خطاب الكراهية بين الجارتين خلال سنوات الحرب تتلخص بالنقاط التالية:

• الاختلاف الطائفي والمذهبي بين أبناء المحافظتين، فقد وجد الكثير من الذين يرغبون بإثارة الفتنة بين المحافظتين في هذا الاختلاف ضالتهم للعبث بالنسيج الاجتماعي للمحافظتين وإذكاء روح التفرقة بين أبناء المحافظتين.

• انتشار ظاهرتي الخطف والخطف المضاد بين أبناء المحافظتين. فقد وجدت بعض المجموعات المسلحة – في كلا المحافظتين على حد سواء – في قيام الثورة السورية بيئة مناسبة لممارسة أعمال الخطف والسلب والنهب بغية الحصول على الأموال وتعزيز قوتها على الأرض.

• غياب دور الوجهاء ورجال الدين في عموم المحافظتين على الرغم من الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه هذه الفئة من المجتمع في الحد من خطاب الكراهية بين أبناء المحافظتين. فخلال سنوات الثورة السورية نأى الوجهاء وقادة العشائر ورجال الدين في المحافظتين بأنفسهم عن الأوضاع الاجتماعية التي بدأت تتفاقم شيئاً فشيئاً بين أبناء المحافظتين.

اقتصاديا

أما من الناحية الاقتصادية فقد اتسمت العلاقات الاقتصادية بين محافظتي درعا والسويداء بالطابع الجيد على مدى السنوات الفائتة التي سبقت قيام الثورة السورية عام 2011 م وذلك بحكم التداخل الجغرافي بين المحافظتين حيث شهدت المحافظتان لفترات طويلة تبادلاً تجارياً واسعاً شمل معظم المحاصيل الزراعية.

ومع انطلاقة الثورة السورية استمرت هذه العلاقات التجارية بين المحافظتين لبعض الوقت، فمع بداية الاحتجاجات في درعا والحصار المطبق على المحافظة اعتمد الأهالي في درعا على إخوانهم في محافظة السويداء لإمدادهم ببعض الاحتياجات الأساسية بحكم العلاقات الاجتماعية والتجارية والتداخل الجغرافي بين أراضي المحافظتين ،لكن مع مرور الوقت بدأت العلاقات الاقتصادية بين المحافظتين بالتراجع شيئاً فشيئاً وبدأ يطفو على السطح بوادر لخطاب الكراهية بين أبناء المحافظتين

ولعل من أهم الأسباب التي عززت خطاب الكراهية بين محافظتي درعا والسويداء ن يمك أن تتلخص في النقاط الآتية :

• انتشار القوات الحكومية السورية وفصائل المعارضة على الحدود الإدارية للمحافظتين مما تسبب في شلل حركة التجارة والتبادل الاقتصادي بين المحافظتين فأبناء محافظة درعا كانوا يتخوفون من الاعتقالات العشوائية التي تمارسها القوات الحكومية السورية.

بينما كان الهاجس الأكبر لدى أبناء السويداء هو انتشار بعض المجموعات المتطرفة على أراضي محافظة درعا وبالتالي التخوف من ممارسة أي نشاط تجاري مع محافظة درعا مما ساهم في تراجع العلاقات التجارية بين المحافظتين وتراشق الاتهامات بين أبناء المحافظتين حول الأسباب التي أدت إلى شلل الحركة التجارية بين المحافظتان وبالتالي سيطرة خطاب الكراهية على العلاقات الاقتصادية بين المحافظتين.

• انتشار ظاهرة الخطف والخطف المضاد بين أبناء المحافظتين من قبل بعض العصابات التي كان همها طلب الفدية المالية وغالباً ما تكون قيمتها كبيرة جداً ، مما أدى إلى عزوف الكثير من التجار من أبناء المحافظتين عن التبادل التجاري مع أبناء المحافظة الأخرى وتوجيه النشاطات التجارية باتجاه أسواق أخرى ربما تكون أكثر تكلفة ولكنها أكثر أماناً .

• تراجع دور القطاعات الانتاجية في الجنوب السوري بشكل عام وذلك بسبب الحرب الطاحنة التي استمرات لسنوات والدمار الكبير الذي لحق بالكثير من المنشآت الاقتصادية، ناهيك عن عزوف الكثير من الشباب عن متابعة أعمالهم الاقتصادية والتحاقهم بالمجموعات العسكرية المختلفة أو الهجرة خارج البلاد بسبب الوضع الاقتصادي المتهالك.

أخيرا نرى أن هناك العديد من الأيادي التي نجحت في عملية إذكاء الصراع بين محافظتي درعا والسويداء معتمدة بذلك على الأسباب الآنفة الذكر، لذلك كان لزاماً علينا كأبناء الجنوب السوري عامة وكإعلاميين بشكل خاص أن نعمل على فضح خطاب الكراهية الذي يحاك بين الجارتين (درعا والسويداء) وأن نعمل على تعريته ، لا بل من الواجب علينا العمل على توحيد الجهود بين محافظتي درعا والسويداء في سبيل بناء جيل واع يعمل على نبذ خطاب العنف والكراهية على كافة المستويات .

https://toleranceforsyria.org/?p=1794

زر الذهاب إلى الأعلى