ثقافة

الأمثال الشعبية في حوران نافذة الحاضر على التراث الثقافي

تتضمن ثقافتنا العربية العديد من الأمثال الشعبية ، التي كونت موسوعة كبيرة من الأمثال على مدى السنوات ، والتي أصبحت بمثابة دليل يوضح لنا النتيجة الحتمية لبعض الطرق التي قد نسلكها في حياتنا بناءً على تجارب السابقين .

وعلى الرغم من تداولنا الأمثال الشعبية بشكل يومي خلال أحاديثنا في العديد من مجالات الحياة ، إلا أننا قد لا نهتم بمعرفة القصة الحقيقية وراء المثل ، وبالرغم من ذلك نثق بمصداقيته ونعتمد عليه بشكل كبير في حياتنا . فالأمثال الشعبية تحمل الكثير من الحكمة بتعبيرات بسيطة وطريفة ، ومن الجميل في الأمثال الشعبية أيضاً أن لها قصصاً وأصولاً تعزز من قيمتها .

إن الأمثال والحكم الشعبية تنم عن ثقافة وتراكم خبرات يمر بها الناس ومعاناة لمصاعب الحياة التي يعيشونها ، والحكم والأمثال أشد وقعاً في النفس من أي كلام آخر وبأية طريقة أخرى .

” لكل مثل مقام مقال ” لم تطلق عبثاً أو جزافاً وإنما كانت ردة فعل لما يجري من أفعال على أرض الواقع ليست في مكانها الصحيح ولتضع الأمور في نصابها وتصوب المسار وتؤخذ منها الحكمة والعظة وتجنب في طرحها مواطن الخطأ والوقوع فيه وتصلح ذات البين فهي حلاوة وطراوة بحد ذاتها ، ورغم بساطتها ففيها الكثير من العبر والدروس المستفادة .

وقد صيغت هذه الأمثال نتيجة التجربة ومعاركة الأيام وحوادثها وقد تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل بالتواتر الشفهي ، وقد زيد عليها أمثال أخرى حسب الحوادث ووقوعها أو عدّل عليها بقالب آخر وصياغة جديدة حتى وصلت إلينا بهذا الشكل .

فالأمثال الشعبية هي وليدة المدرسة الاجتماعية وحوادثها المتكررة والمتلاحقة . ولعل ضعف الحركة التعليمية أو ركودها في الفترات السابقة وعدم فهم وقراءة العقيدة والتبصر بها والخوض في عمقها وبعدها الإنساني سواء كانت العقيدة الإسلامية أو الكتاب المقدس ، بالإضافة إلى تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي فكانت الأمثال الشعبية هي النافذة الوحيدة التي يأتي منها النور ويلتمسها العامة عذراً لفائدة أو إصلاح لشأن فهي بالتالي قد تحقق قدراً من التوازن والعدالة والفضيلة .

وبالحديث عن تراثنا الثقافي في حوران الذي يعتبر هويتنا وعنواننا والدال علينا بين شعوب العالم ، نجد أن الأمثال الشعبية تشكل جزءاً أساسياً من تراث حوران الثقافي فهي تعتبر جزءاً من شخصيتنا ودلالة واضحة على حياتنا وطريقة تفكيرنا . فالمثل هو ظاهرة اجتماعية تستمد قيمتها الذاتية والموضوعية من سياق الحدث أو السلوك الاجتماعي ويقال أن الأمثال ظواهر اجتماعية موجودة في المجتمع وتسبق وجود الأفراد وتبقى بعد فنائهم تسري بين الناس وتكون بمثابة قانون غير مكتوب لهم .

ينتقل المثل الشعبي بشكل شفهي  من جيل إلى جيل ويحرص البعض على حفظه والاستشهاد به ليحل محل الدستور أو القانون الذي ينظم السلوك ويحكم العلاقات أو الخلافات بين الأفراد .

وحول تاريخ الأمثال الحورانية يقول الباحث الدكتور محمود مصطفى في كتابه ” الأمثال والحكايات الشعبية الحورانية ” : ” مما لا شك فيه أن الأمثال قديمة قدم الإنسان ، حيث ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالبيئة أرضاً ومناخاً وظروفاً اقتصادية واجتماعية ، لذلك نجد من الصعب معرفة تاريخ ظهورها لأنها ارتبطت بظهور المجتمعات البشرية وكانت وليدة التجربة الإنسانية مثلها في ذلك مثل اللغة، والأمثال الشعبية أحد مقومات المأثور اليومي في الحياة العامة لأهالي حوران ، وتعطي صورة تقريبة لواقع الحياة الذي عاشه الأجداد على هذه الأرض وكيف تكيفوا معه، عبر تعدد أشكال التلاقي الاجتماعي ،بدءاً من التسلية وسرد الأحاديث وتبادل الكلام المأثور في شتى صوره ومختلف أنواعه “.

وقد تطرق المثل الشعبي في حوران إلى كل مناحي الحياة بأدق تفاصيلها ، حيث قيل لكل مقام مقال ويقول العرب المثل في الكلام كالملح في الطعام . ويتميز المثل الحوراني بقصره واقتضابه ” المجالس مدارس” . وتكثر في الأمثال الشعبية الحورانية العبارات المأخوذة من القرآن الكريم والسنة النبوية ” صفّي النية ونام بالبرية ” ، و ” اعقلها وتوكل ” .

ويحث المثل الحوراني على مكارم الأخلاق والتعاون بين أفراد المجتمع الواحد وعلى حسن التعامل مع الجار ” الجار قبل الدار ” كما نهى عن العصبية والخلق السيء . وحث المثل الحوراني على التحلي بالصبر والتمهل في اتخاذ القرار ” من صبر ظفر” . كما أن المثل الحوراني شجع على الرجولة والشهامة والإباء وعزة النفس ” أكل الرجال على قد أفعالها ” ، كما بدعو المثل الحوراني إلى القوة لأن الحوراني قوي البنية والشكيمة وتجتمع فيه صفات سكان الجبل وسكان السهول والبادية ” الشجاعة صبر ساعة ” وحث المثل على ضرورة الحزم في الأمور واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ” دق الحديد وهو حامي ” ، ولأن الحوراني عزيز النفس يكره الضيم والذل ولا يستسلم ، فقد دعا المثل الشعبي الحوراني إلى بذل الغالي والنفيس في سبيل المحافظة على الكرامة ” هين فلوسك ولا تهين نفوسك ” كما دعا المثل الشعبي الحوراني إلى ضرورة الحذر في التعامل مع الأشرار ” إذا ما كنت ذيب بتوكلك الذياب ” ، وحث على الإيمان بالقضاء والقدر ” المكتوب على الجبين بدها تشوفه العين ” .

كما تطرقت الأمثال الشعبية الحورانية إلى بعض الأكلات الحورانية ” المجدرة مسامير الركب ” ، كما أن المثل الحوراني يشجع على الزواج المبكر لكون العمل الزراعي يحتاج إلى أيد عاملة ” جوز الولد بيجيه ولد ” . يضاف إلى ذلك أن المثل الحوراني نهى عن إقامة العلاقات الاجتماعية على أساس مادي صرف كالزواج والصداقة ” يا ماخذ القرد على مالو بروح المال وبظل القرد على حالو ” ، كما حث المثل الحوراني على التواصل بين الأقارب ” الظفر ما بيطبع من اللحم ” . كما تعكس الأمثال الشعبية الحورانية العلاقة بين الإنسان والأرض ” أيلول ذيلو مبلول ” .

وقد تأثرت الأمثال الشعبية في حوران بالعديد من العوامل حيث كانت حوران قبل آلاف السنين ممراُ للهجرات من وإلى الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر كما شكلت مواقع استقرار للعديد من الشعوب والحضارات مما جعلها تتأثر وتؤثر في الثقافات المختلفة ، بالإضافة إلى علاقات النسب والمصاهرة بين أهالي حوران وباقي المناطق المجاورة إذ ظهرت العديد من الأمثال والحكايا الشعبية التي تعود إلى مناطق أخرى .

بالإضافة إلى أن هناك قصصاً وفدت من تركيا وأخرى من الصين وبلاد فارس وأن هناك أمثالاًً عربية لها مقابل باللغات اللاتينية وروايات أجنبية استندت إلى قصص عربية وبالعكس. فأصل المثل ” عرّم يا جوخ صاحبك تعبان ” سرياني ، ” وابن الداية ما عليه مخباية ” من أصل فارسي .

وهكذا نرى أن الأمثال الشعبية تعد من أبرز عناصر الثقافة الشعبية ومن أهم الموروثات السردية الشفهية ،وتنبع أهميتها لسهولة تداولها وتناقلها عبر الأجيال بالإضافة لجمالها وكثافة معانيها . لذا فالمثل الشعبي من أكثر الأشكال التعبيرية انتشاراً في الثقافة العربية .

زر الذهاب إلى الأعلى