العنوسة

  • أرامل الحرب في سوريا ..بين نيران الحرب ونظرة المجتمع

    أرامل الحرب في سوريا

    أثرت الحرب السورية على كافة مناحي الحياة وشرائح المجتمع، ولكن تبقى أرامل الحرب من بين الفئات الأكثر تضرراً.

    يواجهن مصائرهن وحيدات في ظل ظروف مأساوية في غاية التعقيد، حيث يبدأ صراع الأرملة مع الأهل والأقارب والمجتمع، ولا يكاد ينتهي مع كيفية الحصول على لقمة العيش التي تكفيها العوز والحاجة، لكن الكثيرات استطعن أن ينهضن بأعباء أسرهن وكن مثالاً لصمود المرأة وكفاحها في الحياة .

    لم يكن خيار أم علاء(20 عاماً) بالزواج الثاني سهلاً بالنسبة إليها ولكن الظروف الصعبة دفعتها إلى ذلك، توضح قصتها بالقول: “لم أتوقع أن تتغلب علي الظروف بعد وفاة زوجي، حيث انتقلت مع طفليّ إلى منزل أهلي، وأصبحت مسؤولة في الإنفاق على صغيرين، تخلى أهل زوجي عن الإنفاق عليهما، فحاولت أن أجد عملاً مناسباً دون جدوى كوني لا أحمل أي شهادة .”تبين أم علاء بأن والدها أجبرها على القبول بالزواج من أحد أقاربها الذي تقدم لخطبتها، بحجة أنها لا تزال صغيرة وبحاجة لرجل يعينها على الحياة .

    تضيف أم علاء بدموع لم تستطع مقاومتها: “لقد كان فراق أولادي كفراق الروح للجسد، حيث أرسلهم والدي إلى أهل أبيهم .”

    الأرملة أم حسن من معرة النعمان لم تكن أفضل حظاً، فهي أم لخمسة أطفال، تحلت بالصبر والشجاعة بعد أن فقدت المعيل، وتعبت كثيراً حتى حظيت بعمل كمستخدمة في إحدى مدارس المدينة، ورغم تعبها وانشغالها عن أمور بيتها إلا أنها تشعر بالتفاؤل، لأنها استطاعت أن تجد عملاً تواجه به أعباء الحياة وتؤمن لأولادها لقمة العيش، وتبعد عنهم شبح الجوع، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تواجهها معظم الأرامل في منطقتها.

    وعن ذلك تقول:”وجدت صعوبة بالغة بعد فقدان المعيل، فما لبث أن تفرق الجمع من حولنا وانشغل كل منهم بشؤونه،
    ولم يعد لنا من سند، فاضطررت للخروج من أجل البحث عن عمل رغم اعتراض أهلي على ذلك، لكنني واجهت الجميع ولم أهتم بكلامهم، لأن ما يهمني هو أن أؤمن احتياجات أطفالي دون أن نمد أيدينا لأحد .”

    ولاتقف هموم ومشاكل الأرملة بعد وفاة زوجها عند هذا الحد حيث ينظر المجتمع المحيط بها على أنها ضعيفة وغير قادرة على تأمين مستقبل أولادها بعد وفاة أبيهم، فتجبر في أغلب الأحيان على الزواج من أخ الزوج الذي يكون بنظر المجتمع المنقذ الوحيد إلى بر الأمان .

    الأرملة أم سعيد من بلدة جرجناز بريف إدلب أم لثلاثة أبناء، فقدت زوجها جراء قذيفة من أحد الحواجز القريبة من البلدة أثناء ذهابه للعمل في البناء، تتحدث ل لبنان الحدث عن معاناتها قائلة: ” لم يمض سنة على استشهاد زوجي، حتى بدأت والدة زوجي بالحديث والتلميح بضرورة زواجي من شقيق زوجي بحجة أن الأطفال صغار ويحتاجون لمن يرعاهم ويقدم لهم كل ما يحتاجونه .”

    اقرأ أيضًا: المرأة ومعاناتها في ظل التقلّبات السياسية وسنين الحرب

    وتضيف أم سعيد: ” كذلك فوجئت بأخي الكبير بدأ بالتضييق علي لأوافق على زواجي من شقيق زوجي لأنني غير قادرة على العيش لوحدي، وتحمل أعباء و مستلزمات أطفالي.”

    كما لا تقتصر معاناة الأرملة على الأعباء المادية فحسب بل تتعدى ذلك إلى المجتمع ونظراته التي لاترحم، فمراقبة تحركات المرأة الأرملة جزء لايتجزأ من عادات ذلك المجتمع الذي يرصد حركاتها وسكونها وينتقد تصرفاتها .

    أم محمد من معرة النعمان بريف إدلب عاشت مع زوجها لأكثر من عشر سنوات، وفر لها خلالها كل ماتحتاجه، وكانت حرة في تصرفاتها لا يحق لأحد التدخل بشؤونها، أما عن انقلاب حياتها فتتحدث ل لبنان الحدث قائلة: “إنني أشعر بشكل دائم بأنني مراقبة طوال الوقت، حيث لا أمتلك حرية التنقل والتصرف كيفما أشاء، لذلك ألتزم الوحدة معظم الوقت وأحاول أن أتجنب قدر المستطاع أحاديث الناس.”

    وتضيف بحزن: “عندما تفقد المرأة زوجها لا يحق لها الكلام أو الاعتراض ويتحكم بها كل من حولها ويعتبرون أنفسهم أوصياء عليها، دون أية مراعاة لمشاعرها .”

    كذلك تعاني الأرامل في المناطق المحررة من الاستغلال في أسواق العمل والغبن في الأجور، حيث يستغل بعض أرباب العمل حاجة النساء الماسة للعمل لاستغلال جهودهن ومنحهن أجوراً زهيدة لا تتناسب مع الجهود المبذولة في العمل .

    الأرملة أم وائل من معرة النعمان تعمل في أحد محلات بيع الألبسة، وتشكو من قلة مردود عملها بالقول: “أعمل طوال اليوم لأحصل على أجر زهيد بالكاد يكفيني لتأمين قوت يوم أولادي، لكنني مضطرة للقبول بسبب الحاجة وقلة فرص العمل .”

    المرشدة الاجتماعية نسرين الحسن من مدينة إدلب توضح ل لبنان الحدث عن معاناة الأرامل في ظل الحرب قائلة: “تتولد لدى الأرملة أزمات نفسية وعاطفية واجتماعية واقتصادية عميقة، فالأرامل وخاصة الصغيرات في السن قد يواجهن مشاكل كثيرة، حيث يجدن صعوبة كبيرة في تحمل الأعباء الاقتصادية ونظرة المجتمع، والخوف على أبنائهن من المستقبل المجهول، مما يشعرهن باليأس والعزلة، ناهيك عن تعرضهن للنظرة السلبية من المجتمع مما يجعلهن عرضة للابتزاز والمضايقات وسوء الظن، ومن هنا قد يتعرضن للدخول في مرحلة من عدم الاتزان والانعزالية، فإما أن تتماسك من فقدت زوجها لتقوم بدورها وتنهض بأعباء أسرتها وتقوم بدور الاب والأم معاً، وإما ستنهار لامحالة. ”

    وتنوه الحسن :” أنه لابد للمجتمع من نشر الوعي والعمل على تغيير النظرة السائدة والثقافة المجتمعية تجاه الآرامل، وتوفير فرص عمل تساعدهن على النهوض بالأعباء المعيشية لأسرهن وتنتشل الكثيرات من براثن الفقر والعوز .”
    الحزن والمصير المجهول ثمن الحرب الذي تدفعه أرامل الحرب بعد أن ودعن الأمن والاستقرار، ودخلن حياة الوحدة
    والاستغلال وتحدي الظروف المأساوية لتأمين لقمة العيش لأبنائهن .

    المصدر: لبنان الحدث

  • العنوسة : ظاهرة اجتماعية تضاعفت آثارها خلال الحرب

    تُعتبر « العنوسة « ظاهرة اجتماعية ومن أبرز المشكلات التي تؤرق المجتمع السوري، وترهق كاهل العائلة السورية بشكل عام، والمرأة بشكل خاص. حيث يُطلق هذا المصطلح على من تعدى سن الزواج سواء كان ذكراً أو أنثى، ولكن متعارف عليه أنه يختص بالنساء في أكثر الأحيان. وقد ازدادت هذه الظاهرة انتشاراً خلال سنوات الحرب القاسية في سوريا، والتي ستستمر آثارها السلبية على المدى الطويل.

    إيمان شابة سورية تبلغ من العمر 36 عاماً. وهي موظفة في إحدى دوائر الدولة، تقول « قد فاتني قطار الزواج، ولم يعد أمامي الفرصة لذلك، بسبب الأحداث التي تمر بها بلادنا. كنت مخطوبة في وقت سابق، لكن خطيبي طلب للخدمة الاحتياطية، ووافته المنية بعد سنة من التحاقه بالخدمة».

    وأما محمد خليل البالغ من العمر 33 عاماً، وهو عامل يحصل على أجره يومياً، أرجع عدم تمكنه من الزواج إلى عدم قدرته على تأمين متطلباته، بالاضافة لمصاريف الحياة لما بعد الزواج. فدخله محدود للغاية، ولا يكفيه وحده فكيف بعائلة.

    أبحاث ودراسات تقول بأنّ نسبة العنوسة في سوريا بلغت حوالي 75 % خلال السنوات الأخيرة. فقد حوّلت الحرب المجتمع السوري إلى مجتمع أنثوي، فيه نسبة الإناث تفوق الذكور، وخاصة بعد هجرة الكثير من الذكور وكذلك اعتقال ومقتل الكثير.

    وقد كانت النسبة الأكبر من هؤلاء من الشباب أي ممن هم في سن الزواج، حيث الحرب في سوريا وتداعيتها الاقتصادية كانت السبب المباشر في زيادة نسبة العنوسة. والعنوسة بالأساس موجودة في سوريا، ولكنها حالياً تصدرتْ بقية الدول سواء العربية أو العالمية.

    إضافةً إلى ما سبق فإنّ هناك أسباب أخرى أيضاً أدتْ إلى ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع السوري. أبرزها الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، حيث لا قدرة للشباب على تأمين تكاليف الزواج، مما جعلهم يعزفون عن الزواج، حيث المهور أضحتْ مرتفعة للغاية، وكذلك شروط بعض الأهالي التعجيزية لزواج بناتهم.

    يُذكر إلى أنّ هناك العديد من المشاكل التي هددتْ وتهدد استقرار المجتمع السوري، وتنعكس عليه بآثار سلبية، كان أبرزها إضافةً إلى العنوسة، ارتفاع نسب الطلاق والزواج المبكر، وكثرة الأرامل وكذلك المعتقلات، وأكثر انعكاس هذه المشاكل كان على المرأة السورية بشكل خاص.

زر الذهاب إلى الأعلى